كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال ابن عربي‏:‏ الذاكرون أعلى الطوائف مطلقاً ولهذا ختم اللّه بذكرهم صفات المقربين من أهل اللّه فقال‏:‏ ‏{‏إن المسلمين والمسلمات‏}‏ إلى أن ختم بقوله ‏{‏والذاكرين اللّه كثيراً‏}‏ وما ذكر بعد الذاكر شيئاً والذاكر من نعوته كونه متكلماً وهو نفس الرحمن الذي ظهرت فيه حقائق حروف الكائنات‏.‏

- ‏(‏فر عن نبيط‏)‏ بالتصغير ‏(‏ابن شريط‏)‏ بفتح المعجمة الأشجعي الكوفي صحابي صغير يكنى أبا سلمة كوفي له صحبة ورواه عنه أيضاً أبو نعيم وعنه تلقاه الديلمي مصرحاً فإهمال المصنف الأصل واقتصاره على الفرع غير جيد‏.‏

4352 - ‏(‏الذكر‏)‏ الخفي ‏(‏الذي لا تسمعه الحفظة‏)‏ أي الملائكة الموكلين بكتابة الأعمال ‏(‏يزيد على الذكر الذي تسمعه الحفظة سبعين ضعفاً‏)‏ قيل‏:‏ ولعل المراد به التدبر والتفكر في مصنوعات اللّه وآلائه وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته فإذا جمع اللّه الخلق وجاءت الحفظة بما كتبوا وحفظوا يقول اللّه تعالى انظروا هل بقي له من شيء فيقولون ربنا ما تركنا شيئاً إلا أحصيناه وكتبناه فيقول اللّه فإن لك عندي خبئاً لا يعلم به أحد غيري وأنا أجزيك به وهو الذكر الخفي اهـ هكذا رواه بتمامه أبو يعلى والبيهقي والديلمي وغيرهم قال ابن عربي‏:‏ وإذا أشعر الإنسان قلبه ذكر اللّه دائماً في كل حال لا بد أن يستنير قلبه بنور الذكر فيرزقه ذلك النور الكشف فإنه بالنور يقع الكشف‏.‏

- ‏(‏هب عن عائشة‏)‏ وفيه إبراهيم بن المختار أورده الذهبي في الضعفاء وقال‏:‏ تركه البخاري ولم يرضه وقال أبو حاتم‏:‏ صالح اهـ وقال الحافظ العراقي‏:‏ إسناده ضعيف‏.‏

4353 - ‏(‏الذنب شؤم‏)‏ حتى ‏(‏على غير فاعله‏)‏ أي حتى أنه يتجاوز شؤمه ويتعدى من فاعله إلى غيره قال القاضي‏:‏ والذنب ما له تبعة دنيوية وأخروية مأخوذ من الذنب ثم بين وجه شؤمه على غيره بقوله ‏(‏إن عيره‏)‏ أي إن عير الغير به فاعله ‏(‏ابتلي به‏)‏ في نفسه لما سبق أنه لو عير أحد أحداً برضاع كلبة لرضعها ‏(‏وإن اغتابه‏)‏ أي ذكره به في غيبته وهو يكره ذلك ‏(‏أثم‏)‏ أي كتب عليه إثم الغيبة ‏(‏وإن رضي به‏)‏ أي بفعله ‏(‏شاركه‏)‏ في الإثم لأن الراضي بالمعصية كفاعلها ولا يعارضه ما مر من خبر إن اللّه ينفع العبد بالذنب وإن نفعه به من حيث الندم والذل والانكسار وأما شؤمه فأصلي‏.‏

- ‏(‏فر عن أنس‏)‏ بن مالك‏.‏

4354 - ‏(‏الذهب‏)‏ أي بيع الذهب مضروباً أو غيره بالورق بتثليث الراء الفضة مضروبة أو لا ‏(‏رباً‏)‏ بالتنوين من غير همز ‏(‏إلا ها وها‏)‏ بالمد ويقصر صوت بمعنى خذ ومنه ‏{‏هاؤم اقرؤوا كتابيه‏}‏ وهي حرف خطاب والمستثنى منه مقدر يعني هذا البيع رباً في كل حال إلا حال حضورهما وتقابضهما فكنى عن التقابض بها وها أي خذ وهات لأنه لازمه وفيه اشتراط التقابض في الصوف بالمجلس وهو مذهب الشافعية والحنفية ومذهب مالك لا يجوز تراخي القبض فيه ولو في المجلس ‏(‏والبر بالبرّ‏)‏ بضم الموحدة فيها معروف قال الراغب‏:‏ سمي به لكونه أوسع ما يحتاج إليه في الغذاء فإن أصل البر التوسع في فعل الخير أي بيع أحدهما بالآخر رباً ‏(‏إلا‏)‏ بيعاً مقولاً فيه من جهة المتعاقدين ‏(‏ها وها‏)‏ أي يقول كل منهما للآخر خذ ‏(‏والتمر بالتمر رباً إلا ها وها والشعير‏)‏ بفتح أوله ويكسر ‏(‏بالشعير رباً إلا ها وها‏)‏ فأراد أن البر والشعير صنفان ‏[‏ص 571‏]‏ وعليه الجمهور خلافاً لأحمد وفيه أن النسيئة لا تجوز في بيع الذهب بالورق وإذا امتنع فيهما ففي ذهب بذهب أو ورق بورق‏.‏

قال القونوي‏:‏ اعلم أن مدار الربا على أصلين الأوصاف والأزمان أما الأوصاف فلا شك أن الأشياء الربوية التي شرط فيها رعاية المساواة في الوزن والكيل أجسام مركبة من جواهر تلحقها أعراض ولا ريب في علو مرتبة الجواهر على الأعراض لتبعيتها في الوجود للجواهر فهذه الأشياء الربوية من حيث ذاتها متماثلة ومن حيث صفاتها مختلفة فمتى لم نشرط التساوي بينهما في المبالغة كانت الزيادة الذاتية في مقابلة وصف عرضي كمن اشترى مداً من حنطة بيضاء أو كبيرة الحب بمدين ممن حنطة سمراء أو صغيرة الحب فيكون المد الثاني الزائد ثمناً للبياض وذلك ظلم لأنه ساوى في الشرف والحكم بين الجواهر والأعراض وليس بصحيح وقس عليه بقية الربويات كشعير وملح وتمر فإنه لا يرجح شيء منها على مثله إلا بنحو طعم أو لون وكلها أعراض والتسوية بين الذوات والأعراض لا تصح فهذا سر تحريم الربا وكذا في الذهب والفضة فإن الزيادة والترجيح لا يكون إلا بسبب الصناعة أو تغيير الشكل وذلك عرض وأما تحريم الربا من حيث الزمان فإن المقرض مئة دينار إلى سنة بمئة وعشرين جعل العشرين مقابل الزمان والزمن المعين ليس موجوداً بعد ولا مملوكاً للمقرض فيجوز له بيعه فإن الزمان للّه ويحكم اللّه لا حكم لغيره عليه والاشتراط الآخر في حق من راعى أمر المساواة في الزمان كحصوله في كمية البيع لأنه لو لم يكن كذلك كانت المسامحة في النسيئة والتأخر مددية لتحكم ما من الممهل على الزمان فيكون من قبيل ما تقدم‏.‏

- ‏(‏مالك‏)‏ في المؤطأ ‏(‏ق 4‏)‏ في الربا ‏(‏عن عمر‏)‏ بن الخطاب وفيه بقية‏.‏

4355 - ‏(‏الذهب بالذهب‏)‏ بالرفع أي بيع الذهب فحذف المضاف للعلم به أو مبتدأ حذف خبره أي الذهب يباع بالذهب أو بإسناد الفعل المبني للمفعول إليه أي يباع الذهب ويجوز نصبه أي بيعوا الذهب بالذهب ‏(‏والفضة بالفضة والبرّ بالبر والشعير بالشعير‏)‏ بفتح الشين على المشهور وحكي كسرها ‏(‏والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل‏)‏ أي حال كونهما متماثلين أي متساويين في القدر ‏(‏يداً بيد‏)‏ أي نقداً غير نسيئة ‏(‏فمن زاد‏)‏ على مقدار البيع الآخر من جنسه ‏(‏أو استزاد‏)‏ أي طلب الزيادة وأخذها ‏(‏فقد أربى‏)‏ أي فعل الربا المحرم ‏(‏والآخذ والمعطي سواء‏)‏ في اشتراكهما في الإثم لتعاونهما عليه فإن كلاً منهما آكل وموكل وألحق بهذه الستة ما في معناها المشارك لها في العلة فقال الشافعي‏:‏ العلة في النقد الثمينة فلا يتعدى بكل موزون وفي البقية الطعم فيتعدى ووافقه مالك في النقد وجعل العلة في الأربعة للادخار وجعل أبو حنيفة العلة في النقد الوزن وفي الباقي الكيل فعداهما‏.‏

- ‏(‏حم م ن‏)‏ في الربا ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري ولم يخرجه البخاري‏.‏

4356 - ‏(‏الذهب بالذهب‏)‏ أي يباع به ‏(‏والفضة بالفضة والبر بالبرّ والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل‏)‏ أي حال كونهما متساويين في القدر ‏(‏سواء بسواء‏)‏ أي عيناً بعين حاضراً بحاضر ‏(‏يداً بيد‏)‏ أي مقابضة في المجلس وجمع بينهما تأكيداً ومبالغة في الإيضاح ‏(‏فإذا اختلفت هذه الأصناف‏)‏ هذا لفظ مسلم وهو الصواب وما وقع في المصابيح من ذكر الأجناس بدله من تصرفه وما درى أن الأصناف أقوى في هذا المحل وأن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أراد بيان الجنس الذي يجري فيه الربا فعد أصنافه ذكره الطيبي لكن عهد بهم أنهم يستعملون بعض الألفاظ المتقاربة المعنى مكان بعض فالأمر سهل ‏(‏فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد‏)‏ أي مقابضة وقال القاضي والطيبي‏:‏ هذا الحديث عمدة باب الربا ‏[‏ص 572‏]‏ عد أصولاً وصرح بأحكامها وشروطها على الوجوه التي يتعامل بها ونبه على ما هو العلة لكل واحد منها ليتوصل به المجتهد إلى أن يستنبط منها حكم ما من يذكر من أخواتها ‏(‏فإنه‏)‏ ذكر النقدين والمطعومات الأربع إشعاراً بأن الربا فيما يكون نقداً أو مطعوماً فإن العلة فيه النقد والطعم للمناسبة واقتران الحكم وذكر من المطعوم الحب والتمر ما يقصد مطعوماً لنفسه ولغيره ليعلم أن الكل سواء في الحكم ثم قسم التعامل على ثلاثة أوجه أن يباع شيء منها بجنسه كبر ببر وبغيره من هذه الأجناس المشاركة في علة الربا كبر بشعير وبما ليس من جنسه ولا بما يشاركه في العلة كبيع بر بذهب أو نحاس وصرح في القسمين الأولين لأنهما المقصودان بالبيان لمخالفتهما كسائر العقود في الشروط فشرط في الأول التماثل في القدر وأكده بقوله سواء بسواء لأن المماثلة أعم من كونها في القدر بخلاف المساواة والحلول والتقابض بالمجلس بقوله يداً بيد وفي الثاني الحلول والتقابض لا التماثل وسكت عن الثالث إما لأنه جاز على قياس جميع المبايعات فلا حاجة لبيانه أو لأن أمره معلوم مما ذكر مدلول عليه بالمفهوم فإن تقييد اعتبار الحلول بالمشاركة في علة الربا بقوله فإذا اختلفت هذه الأجناس في اعتبار المماثلة بها مع اتحاد الجنس يدل على عدم اعتبارها فيما ليس كذلك‏.‏

قال الغزالي‏:‏ إنما امتنع الربا لمخالفته للحكمة التي خلق النقد لها وهو كونه وسيلة لتحصيل غيره وإنما جاز بيع أحد النقدين بالآخر لأن كلاً يخالف الآخر في مقصود التوسل وبيع درهم بدرهم مثله لأن ذلك لا يرغب فيه عاقد لتساويهما فلا معنى لمنع ما لا تتشوف النفس إليه فإن فرض أن أحدهما أجود فصاحبه لا يرضى بمثله من الرديء فلا ينتظم العقد وأما بيع درهم بدرهم نسيئة فممنوع إذ لا يفعله إلا مسامح قاصد للإحسان له أجر وحمد والمعاوضة لا حمد فيها ولا أجر فهو ظلم لأنه أضاع خصوص المسامحة وأخرجها في معرض المعاوضة وكذا الأطعمة خلقت ليتغذى أو يتداوى فلا تصرف عن جهتها وفتح باب التعامل فيها يفسدها بالأيدي ويؤخر عنها الأكل الذي أريدت له فما خلق الطعام إلا ليؤكل والحاجة إلى الأطعمة شديدة فتخرج عن يد المستغني عنها إلى المحتاج نعم بائع تمر بتمر معذور إذ أحدهما لا يسد مسد الآخر في الغرض وبائع صاع بر بمثله غير محذور لكنه عابث فلا يحتاج لمنع لأن النفس لا تسمح به إلا عند التفاوت في الجودة وذو الجيد لا يرضى وأما جيد برديئين فقد يقصد لكن لما كانت الأطعمة من الضروريات والجيد يساوي الرديء في أصل الفائدة ويخالفه في التنعم أسقط الشرع غرض التنعم فيما هو القوام فهذه حكمة الشرع في تحريم الربا وقد انكشف لنا بعد إعراضنا عن فن الفقه فليلحق به فإنه أقوى من كل ما ذكر في الخلافيات وبه يتضح رجحان مذهب الشافعي في التخصيص بالأطعمة دون المكيلات إذ لو دخله الحصر كانت الثياب والدواب أولى بالدخول ولولا الملح لكان مذهب مالك أقوم المذاهب فيه إذ خصصه بالأقوات لكن كل معنى رعاه الشرع يمكن أن يضبطه بحد وتحديد هذا كان ممكناً بالقوت وبالمطعوم فرأى الشرع التحديد بجنس المطعوم أولى بكل ما هو ضرورة للبقاء‏.‏

- ‏(‏حم م د ه عن عبادة بن الصامت‏)‏‏.‏

4357 - ‏(‏الذهب والحرير حل لإناث أمتي وحرام على ذكورها‏)‏ قال ابن أبي جمرة‏:‏ إن قلنا إن تخصيص النهي للرجال لحكمة فيظهر أنه تعالى علم قلة صبرهنّ عن التزين فلطف بهنّ في إباحته ولأن تزينهنّ غالباً إنما هو للأزواج وقد ورد أن حسن التبعل من الإيمان ويؤخذ منه أن الفحل لا يصلح أن يبالغ في استعمال الملذوذات لكونه من صفات الإناث‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ وكذا أحمد والطحاوي وصححه ‏(‏عن زيد بن أرقم‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ فيه ثابت بن زيد بن أرقم وهو ضعيف ‏(‏وعن واثلة‏)‏ بن الأسقع رمز المصنف لصحته ورواه الحارث بن أبي أسامة من حديث ابن عمر والطيالسي من حديث أبي موسى قال الديلمي‏:‏ وفيه أنس وعمر وعقبة والبراء وحذيفة وأم هانئ وعمران بن الحصين وابن الزبير وجابر وأبو ريحانة ‏[‏ص 573‏]‏ وابن عمر وعلي أمير المؤمنين وغيرهم‏.‏

4358 - ‏(‏الذهب حلية المشركين‏)‏ أي زينتهم وسميت الحلية زينة لأنها تزين العضو المحلى بها في أعين الناظرين وتحسنه في قلوبهم ‏(‏والفضة حلية المسلمين‏)‏ فيحل اتخاذ الخاتم للرجال منها بل تمسك بإطلاقه ابن القيم فجوز حل التحلي بها للرجال مطلقاً ‏(‏والحديد حلية أهل النار‏)‏ أي قيود أهل النار وسلاسلهم منه وإلا فأهل النار لا يحلون فيها قال ابن القيم‏:‏ والذهب زينة الدنيا وطلسم الوجود ومفرح الوجود ومقوي الظهور وسر اللّه في أرضه وفيه حرارة لطيفة تدخل في سائر المعجونات الملطفة والمفرحة وهو أعدل المعدنيات على الإطلاق وأشرفها وهو والفضة طلسم الحاجات وصاحبهما مرموق في العيون معظم في النفوس والفضة من الأدوية المفرحة النافعة من الهم والغم وضعف القلب وخفقانه‏.‏

- ‏(‏الزمخشري‏)‏ بفتح الزاي والميم وسكون الخاء وفتح الشين المعجمتين نسبة إلى زمخشر قرية كبيرة بخوارزم وهو العلامة العديم النظير محمود بن عمر المضروب به المثل في علوم الأدب والقرآن وديوان شعره مشهور ‏(‏في جزئه عن أنس‏)‏ ورواه عنه أيضاً الديلمي لكن بيض ولده لسنده‏.‏